أُسس كتابة المحتوى التسويقي الإبداعي و5 نصائح لبداية الطريق
ذات يوم، اشتكى تاجرٌ كساد بضاعته من الخُمُر ذات اللون الأسود، كانت النساء تشتري جميع الألوان إلا اللون الأسود، فشكى التاجر ذلك إلى ربيعة بن عامر الدارمي، وكان ربيعة قد ترك الشعر ولزم المسجد، فقال ربيعة للتاجر: أحتال لك بحيلة حتى تبيعها كلّها، فما تجعل لي؟ قال التاجر: أعطيك ما شئت!
فنظم الدارمي قصيدته الشهيرة: قُلْ للمَليحَةِ في الخِمارِ الأسودِ. ماذا فَعَلتِ بِزاهِدٍ مُتَعبِّدِ. قَد كان شَمَّرَ للصلاةِ إزارَهُ. حَتى قَعَدتِ لَه بِبابِ المَسجدِ. رُدِّي عَلَيهِ صَلاتَهُ وصيامَهُ. لا تَقتُليهِ بِحَقِّ دِينِ مُحَمَّدِ. فلم تبق مليحة بالمدينة إلا اشترت خمارًا أسود، وباع التاجر جميع ما كان معه. واعتُبرت تلك الواقعة أول ما شوهد في المحتوى الإبداعي التسويقي.
كتابة المحتوى هي الوسيلة الأولى للتواصل بين الناس، ولكنها في الآونة الأخيرة أصبحت تحت الأنظار وأصبحت صناعة ذات عوائد عظيمة، صارت كتابة المحتوى التسويقي الابداعية صناعة تُثقل بالذهب، وصارت إحدى الأركان الأساسية في التسويق الرقمي، وصارت الفكرة الإبداعية في حد ذاتها استثمار ومنافسة وأرباح.
كيفية كتابة محتوى تسويقي
قبل أن تبدأ في الكتابة، يجب أن تعلم شخصية المُخاطَب، وستجد في مثال الدرامي خير دليل، النساء يحببن الإطراءات، فما كان منه إلا أن أطرى بكلمة (المليحة) فجذب انتباه جميع النساء. وأنت أيضًا، قبل أن تبدأ في الفكرة وصياغة الكلمات اعرف هدفك. شعر الدرامي لم يكن موجهًا لكل امرأة، بل لذات الخمار الأسود تحديدًا. كما استخدم الدرامي الوسيلة المتعارف عليها آنذاك وهي الشعر، وخاطب جمهوره المستهدف وهم النساء بما تستسيغه عقولهم ويحبون سماعه من كلمات.
رسالة ذات قيمة، موجهة بشكل لائق ومستساغ ومفهوم لجمهور محدد، بطريقة محببة وجاذبة للانتباه. هذا هو المحتوى (الإبداعي). وإذا حدّدنا محور المحتوى بمنتج أو خدمة محددة، أصبح المحتوى (إبداعي تسويقي).
ما هي أنواع كتابة المحتوى؟
بشكل رئيسي، ينقسم المحتوى من حيث الهدف إلى تعريفي (awareness) لتعريف الجمهور بنشاط المؤسسة وخدماتها. ومحتوى تسويقي يأخذ مرحلته في جذب الجمهور. ومحتوى إعلاني للبيع المباشر. أما من حيث الهيكل وطريقة الخطاب، فتنقسم كتابة المحتوى إلى منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، منشور قصير وموجز. ومحتوى مواقع إلكترونية، كتابة محتوى الصفحات الرئيسية للمؤسسة، وكتابة محتوى مقالات الموقع، والتي يتراوح حجمها بين 600 كلمة على الأقل إلى 2000 كلمة على الأكثر، وأخيرًا، محتوى مقاطع الفيديو المصورة، والمحتوى القصصي. دعنا نفصّل أكثر:
- محتوى تعريفي
المحتوى التوعوي يعني تثقيف الجمهور المستهدف بالمعلومات الكافية عن الشركة، وعن المنتج لكي يرتبط بأذهانهم واحتياجاتهم، وذلك عن طريق رسائل متكررة تخاطب وعيهم. مثال على ذلك، ربط السجائر في أذهان الصبيان بالرجولة والشجاعة، إن لم تشرب السجائر فأنت غالبًا تخاف من والديك، مثل هذه الرسائل التسويقية الضمنية تم ربطها بوعي الجمهور وتناقلتها الأجيال. مثال آخر، شراء عقار في مدينة “حلم” سيجعل أبنائك في أمان وسعادة. جميعها وسائل توعية وتثقيف وخلق احتياج لدى الجمهور المستهدف، لكي يتركز المنتج في أذهان الجمهور، ويعزم على أخذ خطوات جادة في تغيير نمطه الاستهلاكي، فيشتري هذا المنتج.
مثال آخر يُبرِز أهمية البحث قبل كتابة المحتوى: السمن يزيد من الكوليسترول ويزيد من احتمال جلطات القلب، توجّهوا إلى استخدام الزيت فهو أخف بكثير. ثم تكتشف أن الزيت أكثر ضررًا من السمن وضرره يصل إلى الإصابة بالسرطان، وخطره أضعاف خطر استخدام السمن. وربما كان كاتب المحتوى لا يعلم أن استخدام زيوت الطعام قد يزيد من الإصابة بالسرطان، وإنما كان يكتب من باب أداء واجبات عمله، ولذلك فمن المهم أن تكون مثقفًا في الشيء الذي تكتب عنه حتى لا تتسبب في إحداث أضرار جسيمة لمجتمع بأسره، المعلومة منك لن تصل إلى الجمهور فقط، ولكنها ستصل أيضًا إلى كاتبي محتوى آخرين، سينقلون عنك المعلومة ويرددوها إلى جمهور أكثر. توقف قليلًا وابحث أكثر عن الموضوع الذي تكتبه، حتى تزرع وعيًا صحيحًا في قلوب جمهورك ولا تضرهم.
- محتوى تسويقي
محتوى يقوم بالتركيز على مميزات المنتج، وعلى ربطه باحتياجات الجمهور والقيمة التي يضيفها لهم. سيارة أكثر أمانًا في الحوادث. سيارة أرخص سعرًا ستوفر عليك الكثير من المال. سيارة تستطيع الوصول إلى المنزل بدون سائق. التركيز على القيمة التي تضيفها هذه السيارة في محتوى موجّه لفئة معينة من الجمهور، بداية من الفئة الأكثر ثراءً التي تبحث عن رفاهية السيارة وأناقتها، إلى الفئات المتواضعة التي تبحث عن أقل سعر. استهدف كل فئة بالحديث عن القيمة التي تبحث عنها. - محتوى إعلاني
هو الخطوة الحاسمة لكل جهودك التسويقية بالسعي إلى إتمام عملية الشراء، بعد التثقيف والتوعية وإظهار القيمة المضافة للمنتجات، نأتي إلى مرحلة أن نكتب محتوى يقول للجمهور اشتري الآن، اشترك حالًا. مع سبب لا يُعَوَّض، وخصم لفترة محدودة وفرصة لا ينبغي تفويتها.
أما من حيث التكوين، فالمحتوى ينقسم إلى:
- محتوى منصات التواصل الاجتماعي
محتوى واجب فيه الإيجاز والاختصار. الشكل الأمثل له لا يزيد عن فقرة، والأمثل منه لا يزيد عن سطرين. أما إذا زاد عن فقرتين، فلا بد من صياغة عنوان يشد القارئ في أول سطر في المنشور، وفي التصميم المرفق بالمنشور، وأن تختم الكتابة بسطر في النهاية يلخص للجمهور ما قرأه، ويدفعه لاتخاذ قرار معين (CTA) مثل: اتصل بنا الآن. - محتوى المواقع الإلكترونية
محتوى واجب فيه الاستفاضة والسرد بما يشفي صدر الجمهور من المعرفة عن موضوع المقال. وتتكون المقالة من التالي:
- مقدمة تشويقية مقدمة عن المقال في حدود الخمسين كلمة أو أكثر، وتظهر في الغالب تحت عنوان المقال في نتائج محركات بحث جوجل، احرص على كتابتها بعناية، لأن القارئ سيقرر على أساسها قراءة بقية المقالة أو تركها والقفز على النتيجة التالية لها على محركات جوجل.
- قلب المقال مقسم إلى عناوين فرعية مشوقة ومرتبة، بداية، ثم صُلب الموضوع، ثم نهاية ونتيجة.
- الخلاصة Conclusion وتعطي جرعة مكثفة للقارئ في سطرين أو أكثر، تُذكّره بما قرأ وتأخذ بيده نحو الإفادة المرجوة من المقال.
- المراجع ومصادر المقالة تحت خط مستقيم يفصل بينها وبين المقالة، نسرد ما استندنا إليه في كتابتنا من قراءات ومراجع موثوقة.
- نصوص مقاطع الفيديو والمحتوى القصصي
وهذا عالم آخر من الكتابة الإبداعية وتاج كل أنواع الكتابات الإبداعية وساحة خضراء تجمع بين الخيال والتجارة. تتجلّى بشدة في مثال الإعلانات الأخّاذة لـحملة بداية العقارية (لكل قصة بداية)، حيث تشاهد مقطعا لدقيقة واحدة فيرتبط قلبك بشراء عقار في هذه المدينة وأنت في تمام قواك العقلية.
5 نصائح سريعة في كتابة المحتوى الإبداعي التسويقي:
- اكتب محتوى فريد. أهم ما يميز المحتوى (الإبداعي) هو أن يكون غير مُكرر وغير مُقلَّد من آخرين. لا بأس بالاقتباس واستلهام الأفكار من المنافسين، ومن البيئة المحيطة، ومن تعليقات الجمهور، ومن تأثير كوب القهوة صباحًا. لكن الإبداع يعني بالأساس أن يكون المحتوى التسويقي جديدا وفريدا.
- رتب أفكار القارئ. مُقدِّمة ثم مضمون ثم نتيجة. اجعل هذا الترتيب هو القاعدة الأساسية لك في كتابة المحتوى الإبداعي التسويقي. اعتبره كالبناية التي تبدأ فيها بوضع الأساس، ثم اللَبِنات ثم تُتَوِّجها بنتيجة تدفع القارئ للقيام بفعل ما، ينفعه شخصيًا كما ينفع شركتك. ترتيب أفكار القارئ يجعله يقرأ المحتوى حتى نهايته ويصل إلى النتيجة التي ترجوها أنت منه. وإليك بضعة نصائح لترتيب أفكار القارئ.
- لا تجعل الإبداع غاية. ولكن اجعله وسيلة تستخدمها أنت لِتَصِل بالقارئ إلى النتيجة المرجوة بتغيير سلوكه الاستهلاكي لصالحك. بعض الكتابات في المحتوى التسويقي تجعل الإبداع غاية، فلا يصل منها القارئ إلى نتيجة غير الاندهاش بالفكرة أو بالكاتب، وهذا شيء طيّب كوسيلة أيضًا، ولكن تذكّر أن لديك هدفًا من وراء المحتوى الإبداعي التسويقي لا بد من أن يتحقق.
- لا تجعل الكتابة في حد ذاتها غاية أيضًا. وهو خطأ يقع فيه الكثير من الشركات التسويقية والتي تسعى وراء انتظام النشر بأي وسيلة. لا تكتب فقط لممارسة فعل الكتابة، ولكن اكتب لتنفع، حافظ على انتظام النشر بقيمة مضافة قوية، حتى وإن كانت مجرد معلومة صغيرة جديدة تنفع الجمهور.
- تعلّم أكثر عن جمهورك المستهدف. لا أقول لك ادرسه، لكن حاول فقط أن تعرف ولو القليل عن جمهورك المستهدف في البداية كجانب نظري، ثم راقب ردود أفعال جمهورك على كل شيء تكتبه بشكل عملي. وهذا سيعطي ثراءً لأفكار إبداعية أكثر، وتصحيحًا لطريقة كتابتك ولاختيار ألفاظك والتأثير في جمهورك بشكل أفضل في كل مرة.
- أعِد قراءة ما كتبت مرة أخرى. وهذه من أهم الخطوات في ترتيب أفكار القارئ. ستجد في كتابتك فقرة لابد أن تتقدم في الترتيب، وفقرة أخرى لابد أن تتأخر، وفقرة ممكن أن تشتت أفكار القارئ فلابد من حذفها.
- الغموض غير محمود إلا أن يكون مقصودًا. لا أنصحك في بداية طريقك في كتابة المحتوى التسويقي الإبداعي أن تستخدم الغموض كوسيلة لتشويق القُرّاء، دعه قليلًا حتى تتمكن من الكتابة … ربما لعام أو عامين. الغموض في الكتابة لو لم يكن مقصودًا سيفصل القارئ عن استكمال القراءة لأنه لم يفهم.
- حدد أهدافك لتساعد القارئ على ترتيب أفكاره. رتب أفكارك أنت أولًا، وحدد أهدافك أنت من وراء كل محتوى إبداعي تسويقي وستترتب أفكار القارئ تلقائيًا.
- ركز على القيمة المضافة. لو كان المحتوى هو الملك على عرش التسويق، فالقيمة المضافة هي الملكة، وهي القلب الذي لا ينبض المحتوى ولا يؤتي ثماره إلا من خلالها. بدون القيمة المضافة سيبدو المحتوى الإبداعي جمالًا خاويًا من المضمون ومن الجوهر. تستطيع أن تكتب محتوى إبداعي تسويقي بقيمة مضافة، دون الحديث عن المنتج، ولكنها فقط ذو صلة غير مباشرة به، محتوى يثري قلوب المتابعين وينمي عقولهم وأخلاقهم ويصحح سلوكياتهم، وبناء على تأثرهم بالمحتوى سيقومون بشراء منتج الشركة أو الاشتراك في خدمتها. تخيل أن هناك مجموعة أنهار تصب في بحر ، هذا البحر هو منفعتك المادية من وراء كتابة المحتوى، والأنهار التي تصب فيه، فهي معلومات متعلقة بالمنتج، ونصائح، وتجارب نافعة لجمهورك تثري عقولهم وتزيد وعيهم وتربطهم ذهنيًا وقلبيًا بشركتك.
وتستطيع أيضًا استخراج قيمة مضافة من المنتج التجاري، بإظهار منافعه، أو أن يكون هذا المنتج في حد ذاته قيمة مضافة عظيمة والجمهور في حاجة ماسة إليه. مثال على ذلك المنتجات الطبيعية الخالية من الكيماويات، في عالم غزته السرطانات والأمراض والأوبئة التي لم يعد جسم الإنسان قادرًا على مواجهتها. هذه المنتجات الطبيعية في حد ذاتها قيمة مضافة عظيمة، فقط عليك أن تعطيها حقها في الكتابة واختيار الكلمات.
- لا تُمعِن في الاقتباس. اجعل حدود اقتباسك من الآخرين مثل حدود عالِم جديد يأخذ العلم عن عالِم سابق، يستفيد من خبرته ولا ينكرها ولا يتجاهلها، ولكن له مجهوده الفريد وبصمته الخاصة التي يضيفها إلى هذا العِلم. الاقتباس إذا تجاوز الحدود في الكتابة الإبداعية التسويقية صار كسلًا وقد يصل إلى أن يكون اعتداء على مجهود آخرين بغير وجه حق. كن مميزًا، فالإبداع تميز، ولا تتعجّل أن تكون من النجوم البراقة في عالم المحتوى، خذ وقتك في النضج ولتأخذ موهبتك وقتها في الاكتمال.
- تكلم بلسان الجمهور. من الأشياء المُبشِرة التي ظهرت على الساحة مؤخِّرًا، أن تصبح بصمة (الثقافة) عاملًا أساسيًا في كتابة المحتوى الإبداعي. بمعنى، أن الشركات التجارية العالمية أصبحت تتماشى مع ثقافة البلد التي تدخلها حديثًا، بدلًا من غزو الأسواق فكريًا وفرض نمط ثقافي ولغوي واحد على الشعوب المختلفة يمحي هويتهم.
أصبحت الشركات العالمية الواعية تحترم ثقافة كل بلد تُدخِل إليها منتجاتها، تتحدث بطريقة تعبير أهل كل بلد عن فرحهم وحزنهم وشغفهم. هذا الفكر الجديد مُبَشّر جدًا، يعلمنا نحن العرب أن لا نحاول الاندماج رُغمًا عنا مع علامات تجارية تفصل الجمهور عن ثقافته وأصالته وتدفعه لمحاولات الاندماج مع كل ظاهرة وكل صيحة لا علاقة له بها. اجعل هذا من مبادئك في الكتابة، أن يكون المحتوى (مُتعلِّقًا بمَن تخاطب ومراعيًا لثقافتهم وأفهامهم).
المصادر
